سورة مريم - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{فَأَجَاءَهَا المخاض} فألجأها المخاض، بالكسر وهما مصدر مخضت المرأة إذا تحرك الولد في بطنها للخروج. {إلى جِذْعِ النخلة} لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة، وهو ما بين العرق والغصن وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء، والتعريف إما للجنس أو للعهد إذ لم يكن ثم غيرها وكانت كالمتعالم عند الناس، ولعله تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياته ما يسكن روعتها ويطعمها الرطب الذي هو خرسة النفساء الموافقة لها. {قَالَتْ يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هذا} استحياء من الناس ومخافة لومهم، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر {مت} من مات يموت. {وَكُنتُ نَسْياً} ما من شأنه أن ينسى ولا يطلب ونظيره الذبح لما يذبح، وقرأ حمزة وحفص بالفتح وهو لغة فيه أو مصدر سمي به، وقرئ به وبالهمز وهو الحليب المخلوط بالماء ينسؤه أهله لقلته. {مَّنْسِيّاً} منسي الذكر بحيث لا يخطر ببالهم وقرئ بكسر الميم على الاتباع.


{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا} عيسى، وقيل جبريل كان يقبل الولد، وقيل تحتها أسفل من مكانها. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وروح {من تحتها} بالكسر والجر على أن في نادى ضمير أحدهما، وقيل الضمير في تحتها النخلة. {أَلاَّ تَحْزَنِى} أي لا تحزني أو بأن لا تحزني. {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} جدولاً. هكذا روي مرفوعاً، وقيل سرياً من السرو وهو عيسى عليه الصلاة والسلام.


{وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة} وأميليه إليك، والباء مزيدة للتأكيد أو افعلي الهز والأمالة به، أو {هزي} الثمرة بهزه والهز تحريك بجذب ودفع. {تساقط عَلَيْكِ} تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وحذفها حمزة، وقرأ يعقوب بالياء وحفص {تساقط} من ساقطت بمعنى أسقطت، وقرئ: {تتساقط} و{تسقط} و{يسقط} فالتاء للنخلة والياء للجذع. {رُطَباً جَنِيّاً} تمييز أو مفعول. روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء، فهزتها فجعل الله تعالى لها رأساً وخوصاً ورطباً. وتسليتها بذلك لما فيه من المعجزات الدالة على براءة ساحتها فإن مثلها لا يتصور لمن يرتكب الفواحش، والمنبهة لمن رآها على أن من قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل، وأنه ليس ببدع من شأنها مع ما فيه من الشراب والطعام ولذلك رتب عليه الأمرين فقال: {فَكُلِى واشربى} أي من الرطب وماء السرى أو من الرطب وعصيره. {وَقَرِّي عَيْناً} وطيبي نفسك وارفضي عنها ما أحزنك، وقرئ: {وقَرى} بالكسر وهو لغة نجد، واشتقاقه من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره، أو من الفرقان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين للمحبوب وسخنتها للمكروه. {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً} فإن تري آدمياً، وقرئ: {ترئن} على لغة من يقول لبأت بالحج لتآخ بين الهمزة وحرف اللين. {فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً} صمتاً وقد قرئ به، أو صياماً وكانوا لا يتكلمون في صيامهم. {فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} بعد أن أخبرتكم بنذري وإنما أكلم الملائكة وأناجي ربي. وقيل أخبرتهم بنذرها بالإِشارة وأمرها بذلك لكراهة المجادلة والاكتفاء بكلام عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه قاطع في قطع الطاعن.
{فَأَتَتْ بِهِ} أي مع ولدها. {قَوْمَهَا} راجعة إليهم بعد ما طهرت من النفاس. {تَحْمِلُهُ} حاملة إياه. {قَالُواْ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} أي بديعاً منكراً من فري الجلد.
{يَآ أُخْتَ هارون} يعنون هرون النبي عليه الصلاة والسلام وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة، وقيل كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة. وقيل هو رجل طالح أو صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكماً أو لما رأوا قبل من صلاحها أو شتموها به. {مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} تقرير لأن ما جاءت به فري، وتنبيه على أن الفواحش من أولاد الصالحين أفحش.
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أي كلموه ليجيبكم. {قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى المهد صَبِيّاً} ولم نعهد صبياً في المهد كلمه عاقل، و{كَانَ} زائدة والظرف صلة من.
و {صَبِيّاً} حال من المستكن فيه أو تامة أو دائمة كقوله تعالى: {وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً} أو بمعنى صار.
{قَالَ إِنّى عَبْدُ الله} أنطقه الله تعالى به أولاً لأنه أول المقامات والرد على من يزعم ربوبيته. {ءَاتَانِىَ الكتاب} الإِنجيل. {وَجَعَلَنِى نَبِيّاً}.
{وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً} نفاعاً معلماً للخير، والتعبير بلفظ الماضي إما باعتبار ما سبق في قضائه، أو بجعل المحقق وقوعه كالواقع وقيل أكمل الله عقله واستنبأه طفلاً. {أَيْنَمَا كُنتُ} حيث كنت. {وَأَوْصَانِى} وأمرني. {بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ} زكاة المال إن ملكته أو تطهير النفس عن الرذائل. {مَا دُمْتُ حَيّاً}.
{وَبَرّاً بِوَالِدَتِى} وباراً بها عطف على {مُبَارَكاً}، وقرئ بالكسر على أنه مصدر وصف به أو منصوب بفعل دل عليه أوصاني، أي وكلفني براً ويؤيده القراءة بالكسر والجر عطفاً على {الصلاة}. {وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً} عند الله من فرط تكبره.
{والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} كما هو على يحيى والتعريف للعهد والأظهر أنه للجنس والتعريض باللعن على أعدائه، فإنه لما جعل جنس السلام على نفسه عرض بأن ضده عليهم كقوله تعالى: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} فإنه تعريض بأن العذاب على من كذب وتولى.
{ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ} أي الذي تقدم نعته هو عيسى ابن مريم لا ما يصفه النصارى، وهو تكذيب لهم فيما يصفونه على الوجه الأبلغ والطريق البرهاني حيث جعله موصوفاً بأضداد ما يصفونه ثم عكس الحكم. {قَوْلَ الحق} خبر محذوف أي هو قول الحق الذي لا ريب فيه، والإِضافة للبيان والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة. وقيل صفة {عِيسَى} أو بدل أو خبر ثان ومعناه كلمة الله. وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب {قَوْلَ} بالنصب على أنه مصدر مؤكد. وقرئ: {قال الحق} وهو بمعنى القول. {الذى فِيهِ يَمْتُرُونَ} في أمره يشكون أو يتنازعون، فقالت اليهود ساحر وقالت النصارى ابن الله وقرئ بالتاء على الخطاب.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9